فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} كلامٌ مستأنفٌ جيء به إثرَ تحقيقِ حقِّيةِ البعث وإقامةِ البُرهان عليه من العالَمينِ الإنسانيِّ والنباتيِّ لبيانِ أنَّ ذلك من آثارِ أُلوهيتِه تعالى وأحكامِ شؤونِه الذَّاتيةِ والوصفيةِ والفعليةِ وأنَّ ما ينكرون وجودَه بل إمكانه من إتيانِ السَّاعةِ والبعثِ من أسبابِ تلك الآثارِ العجيبةِ التي يُشاهدونها في الأنفس والآفاقِ ومبادي صدورِها عنه تعالى. وفيه من الإيذانِ بقوَّة الدَّليلِ وأصالةِ المدلُولِ في التَّحقُّقِ وإظهارِ بُطلان إنكاره ما لا يخفى فإنَّ إنكار تحقُّق السَّببِ مع الجزمِ بتحقُّقِ المُسبَّبِ ممَا يقضي ببُطلانِه بديهةَ العقولِ. والمرادُ بالحقِّ هو الثَّابتُ الذي يحقُّ ثبوتُه لا محالة لكونِه لذاتِه لا الثَّابتُ مطلقًا وذلك إشارةٌ إلى ما ذُكر من خلقِ الإنسان على أطوارٍ مختلفةٍ وتصريفِه في أحوالٍ مُتباينةٍ وإحياءِ الأرض بعد موتِها، وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببُعدِ منزلتِه في الكمالِ وهو مبتدأٌ خبرُه الجارُّ والمجرورُ أي ذلك الصُّنعُ البديع حاصلٌ بسبب أنَّه تعالى هو الحقُّ وحده في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه المحقِّقُ لما سواه من الأشياءِ {وَأنَهُ يُحْىِ الموتى} أي شأنُه وعادته إحياؤُها وحاصلُه أنَّه تعالى قادرٌ على إحيائها بَدْءًا وإعادةً وإلاَّ لما أحيا النُّطفةَ والأرض الميتةَ مرارًا بعد مرارٍ. وما تُفيده صيغةُ المضارعِ من التَّجددِ إنَّما هو باعتبارِ تعلُّقِ القُدرةِ ومتعلقها لا باعتبارِ نفسِها. {وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قَدِيرٌ} أي مبالغٌ في القدرة وإلاَّ لما أوجد هذه الموجوداتِ الفائتةَ للحصرِ التي من جُملتها ما ذُكر. وأمَا الاستدلالُ على ذلك بأنَّ قدرته تعالى لذاتِه الذي نسبته إلى الكلِّ سواءٌ فلمَا دلَّتِ المشاهدةُ على قدرتِه على إحياءِ بعض الأمواتِ لزم اقتدارُه على إحياءِ كلِّها فمنشؤُه الغفولُ عما سيقَ له النَّظمُ الكريمُ من بيانِ كونِ الآثارِ الخاصَّةِ المذكورةِ من فروعِ القُدرةِ العامةِ التَّامةِ ومسبَّباتِها، وتخصيصُ إحياءِ الموتى بالذِّكرِ مع كونِه من جُملةِ الأشياءِ المقدُورِ عليها للتَّصريحِ بما فيه النِّزاعُ والدَّفعُ في نحو المنكرينَ وتقديمُه لإبرازِ الاعتناءِ به.
{وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} أي فيما سيأتي. وإيثارُ صيغةِ الفاعلِ على الفعلِ للدِّلالةَ على تحقُّقِ إتيانِها وتقرره ألبتةَ لاقتضاءِ الحكمة إيَّاه لا محالةَ وتعليله بأنَّ التَّغيُّرِ من مقدمات الانصرامِ وطلائعِه مبنيٌّ على ما ذُكر من الغفولِ. وقوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهَا} إمَا خبرٌ ثانٍ لأنَّ أو حالٌ من ضميرِ السَّاعةِ في الخبرِ ومعنى نفيِ الرَّيبِ عنها أنَّها في ظهور أمرِها وضوح دلائلِها التَّكوينيَّةِ والتَّنزيليَّةِ بحيثُ ليس فيها مظنَّةُ أنْ يُرتابَ في إتيانِها حسبما مرَّ في مطلعِ سورةِ البقرةِ. والجملةُ عطفٌ على المجرورِ بالباء كما قبلها من الجُملتينِ داخلةٌ مثلهما في حيِّزِ السَّببيةِ وكذا قوله عز وجل: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} لَكِن لا من حيثُ أن إتيانَ السَّاعةِ وبعثَ الموتى مؤثِّرانِ فيما ذُكر من أفاعيلِه تعالى تأثيرَ القُدرة فيها بل من حيث إنّ كُلًا منهما سببٌ داعٍ له عز وجل بموجبِ رأفتِه بالعبادِ المبنيَّةِ على الحكمِ البالغةِ إلى ما ذُكرَ من خلقِهم ومن إحياءِ الأرض الميتة على نمطٍ بديعٍ صالحٍ للاستشهادِ به على مكانِهما ليتأمَّلوا في ذلكَ ويستدلُّوا به على وقوعِهما لا محالة ويصدقوا بمَا ينطق بهما من الوحيِ المُبينِ وينالُوا به السَّعادةَ الأبديَّةَ ولولا ذلكَ لما فعل تعالى ما فعل بل لما خلق العالم رأسًا وهذا كما تَرَى من أحكام حقِّيته تعالى في صفاتِه وكونها في غايةِ الكمالِ وقد جُعل إتيانُ السَّاعةِ وبعث مَنْ في القبورِ لكونهما من روادفِ الحكمةِ كناية عن كونِه تعالى حكيمًا كأنَّه قيل ذلك بسببِ أنَّه تعالى قادرٌ على إحياءِ المَوْتى وعلى كلِّ مقدورٍ وأنَّه حكيمٌ لا يُخلف ميعادَه وقد وُعد بالسَّاعةِ والبعث فلابد أنْ يفي بما وعد، وأنتَ خبيرٌ بأن مآله الاستدلالُ بحكمته تعالى على إتيان السَّاعة والبعثِ وليس الكلامُ في ذلكَ بل إنَّما هو في سببيتهما لما مرَّ من خلقِ الإنسان وإحياء الأرض فتأمَّل وكُن على الحقِّ المبين.
وقيل: قوله تعالى: {وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} ليس معطُوفًا على المجرورِ بالباء، ولا داخلًا في حيِّز السببية بل هو خبرٌ والمبتدأ محذوفٌ لفهم المَعْنى. والتَّقديرُ والأمرُ أنَّ السَّاعةَ آتيةٌ وأنَّ الثَّانيةَ معطوفةٌ على الأولى، وقيل: المَعْنى ذلك لتعلمُوا بأنَّ الله هو الحقُّ الآيتين.
{وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله} هو أبُو جهلٍ بنُ هشامٍ حسبَما رُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُما، وقيل: هُو من يتصدَّى لإضلالِ النَّاسِ وإغوائِهم كائنًا مَن كان كما أنَّ الأولَ من يُقلدهم على أنَّ الشَّيطانَ عبارةٌ عن المضلِّ المُغوي على الإطلاقِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ} متعلق بمحذوف وقعَ حالًا من ضميرِ يجادلُ أي كائنًا بغيرِ علمٍ والمرادُ العلمُ الضَّروريُّ كما أنَّ المرادَ بالهُدى في قوله تعالى: {وَلا هدًى} هو الاستدلالُ والنَّظرُ الصَّحيحُ الهادي إلى المعرفةِ {وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} وحي مظهرٍ للحقِّ أي يجادل في شأنِه تعالى من غير تمسُّكٍ بمقدِّمةٍ ضروريةٍ ولا بحجَّةٍ نظريةٍ ولا ببرهانٍ سمعيَ كما في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} وأما ما قيلَ من أنَّ المرادَ به المجادلُ الأوَّلُ والتَّكريرُ للتَّأكيدِ والتَّمهيدِ لما بعدَهُ من بيانِ أنَّه لا سندَ له من استدلالٍ أو وحيٍ فلا يُساعدُه النَّظمُ الكريمُ، كيفَ لا وإنَّ وصفَه باتِّباعِ كلِّ شيطانٍ موصوفٍ بما ذُكر يُغني عن وصفِه بالعراء عن الدَّليلِ العقليِّ والسِّمعيِّ.
{ثَانِىَ عِطْفِهِ} حالٌ أخرى من فاعلِ يُجادل أي عاطفًا لجانبه وطاويًّا كَشْحَه مُعرضًا متكبِّرًا فإنَّ ثنْيَ العطفِ كنايةٌ عن التَّكبُّرِ. وقرئ بفتحِ العينِ أي مانعًا لتعطُّفِه.
{لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} متعلق بـ يجادلُ فإنَّ غرضَه الإضلالُ عنه وإن لم يعترفْ بأنَّه إضلالٌ. والمرادُ به إمَا الإخراج من الهُدى إلى الضَّلالِ فالمفعولُ مَن يُجادلُه من المؤمنينَ أَو النَّاس جميعًا بتغليب المؤمنين على غيرِهم وإمَا التَّثبيتُ على الضَّلالِ أو الزِّيادةُ عليه مجازًا فالمفعولُ هم الكفرةُ خاصَّةً. وقرئ بفتح الياءِ وجُعل ضلالُه غايةً لجدالِه من حيث إنّ المرادَ به الضَّلالُ المبينُ الذي لا هداية له بعدَهُ مع تمكُّنِه منها قبلَ ذلك {لَهُ في الدنيا خِزْىٌ} جملةٌ مستأنفةٌ مسُوقةٌ لبيانِ نتيجةِ ما سلكَه من الطَّريقةِ أي يثبُت له في الدُّنيا بسببِ ما فعله خزيٌ وهُو ما أصابَه يومَ بدرٍ من القتلِ والصَّغَارِ {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} أي النَّارِ المُحرقةَ.
{ذلك} أي ما ذُكر من العذابِ الدنيويِّ والأخرويِّ، وما فيهِ من مَعْنى البُعد للإيذانِ بكونِه في الغايةِ القاصيةِ من الهَولِ والفظاعةِ. وهو مبتدأٌ خبرُه قوله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي بسببِ ما اقترفتَهُ من الكفرِ والمعاصِي. وإسناده إلى يديهِ لما أنَّ الاكتسابَ عادةً يكونُ بالأيدي. والالتفاتُ لتأكيدِ الوعيدِ وتشديدِ التَّهديدِ. ومحلُّ أنَّ في قوله عزَّ وعلا: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} الرَّفعُ على أنَّه خبرُ مبتدإٍ أي والأمرُ أنَّه تعالى ليس بمعذِّبٍ لعبيدِه بغيرِ ذنبٍ من قِبلَهم. والتَّعبيرُ عن ذلك بنفيِ الظُّلمِ مع أنَّ تعذيبَهم بغيرِ ذنبٍ ليس بظُلمٍ قطعًا على ما تقرَّرَ من قاعدةِ أهلِ السُنَّةِ فضلًا عن كونِه ظُلمًا بالغًا قد مرَّ تحقيقُه في سورةِ آلِ عمرانَ والجملة اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلها وأمَا ما قيلَ من أنَّ محلَّ أنَّ هُو الجرُّ بالعطفِ على ما قدمتْ فقد عرفتَ حالَه في سورة الأنفال. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق}.
كلام مستأنف جىء به أثر تحقيق حقية البعث وإقامة البرهان عليه على أتم وجه لبيان أن ما ذكر من خلق الإنسان على أطوار مختلفة وتصريفه في أحوال متباينة وإحياء الأرض بعد موتها الكاشف عن حقية ذلك من آثار ألوهيته تعالى وأحكام شؤونه الذاتية والوصفية والفعلية وأن ما ينكرونه من إتيان الساعة والبعث من أسباب تلك الآثار العجيبة المعلومة لهم ومبادىء صدورها عنه تعالى، وفيه من الإيذان بقوة الدليل وأصالة المدلول في التحقق وإظهار بطلان إنكاره ما لا يخفى فإن إنكار تحقق السبب مع الجزم بتحقق المسبب مما يقضي ببطلانه بديهة العقول فذلك إشارة إلى خلق الإنسان على إطوار مختلفة وما معه الإفراد باعتبار المذكور وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الكمال وهو مبتدأ خبره الجار والمجرور، والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محالة لكونه لذاته لا الثابت مطلقًا فوجه الحصر ظاهر أي ما ذكر من الصنع البديع حاصل بسبب أنه تعالى هو الحق وحده في ذاته وصفاته وأفعاله المحقق لما سواه من الأشياء {ذلك بِأَنَّ الله} أي شأنه وعادته تعالى شأنه إحياء الموتى، وحاصله أنه تعالى قادر على إحيائها بدءًا وإعادة وإلا لما أحيا النطفة والأرض الميتة مرة بعد مرة وما تفيده صيغة المضارع من التجدد إنما هو باعتبار تعلق القدرة ومتعلقها لا باعتبار نفسها لأن القدم الشخصي ينافي ذلك.
{وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قَدِيرٌ} أي مبالغ في القدرة وإلا لما أوجد هذه الموجودات الفائتة للحصر التي من جملتها ما ذكر، وتخصيص إحياء الموتى بالذكر مع كونه من جملة الأشياء المقدور عليها للتصريح بما فيه النزاع والدفع في نحو المنكرين، وتقديمه لإبراز الاعتناء به.
{وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} أي فيما سيأتي، والتعبير بذلك دون الفعل للدلالة على تحقق إتيانها وتقرره البتة لاقتضاء الحكمة إياه لا محالة، وقوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهَا} إما خبر ثان لأن أو حال من ضمير {الساعة} في الخبر، ومعنى نفي الريب عنها أنها في ظهور أمرها ووضوح دلائلها بحيث ليس فيها مظنة أن يرتاب في إتيانها.
وأن وما بعدها في تأويل مصدر عطف على المصدر المجرور بباء السببية داخل معه في حيزها كالمصدرين الحاصلين من قوله تعالى: {وَأَنَّهُ يُحْيِىَ الموتى} [الحج: 6] وقوله سبحانه: {وَأَنَّهُ على كُلّ قَدِيرٌ} [الحج: 6] وكذا قوله عز وجل: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} لَكِن لا من حيث أن إتيان الساعة وبعث من في القبور مؤثر إن فيما ذكر من أفاعيله تعالى تأثير القدرة فيها بل من حيث أن كلًا منهما بسبب داع له عز وجل بموجب رأفته بالعباد المبنية على الحكم البالغة إلى ما ذكر من خلقهم ومن إحياء الأرض الميتة على نمط بديع صالح للاستشهاد به على إمكانهما ليتأملوا في ذلك ويستدلوا به عليه أو على وقوعهما ويصدقوا بذلك لينالوا السعادة الأبدية ولولا ذلك لما فعل بل لما خلق العالم رأسًا، وهذا كما ترى من أحكام حقيته تعالى في أفعاله وابتنائها على الحكم الباهرة كما أن ما قبله من أحكام حقيته تعالى في صفاته وكونها في غاية الكمال، هذا ما اختاره العلامة أبو السعود في تفسير ذلك وهو مما يميل إليه الطبع السليم، وجعل صاحب الكشاف الإشارة إلى ما ذكر أيضًا إلا أنه بحسب الظاهر جعل إتيان الساعة وبعث من في القبور حيث إن ذلك من روادف الحكمة كناية عنها فكأن الأصل ذلك حاصل بسبب أن الله تعالى هو الحق الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم فاكتفى بمقتضى الحكمة عن الوصف بالحكمة لما في الَكِناية من النكتة خصوصًا والكلام مع منكري البعث للدفع في نحورهم.
ولا يخلو عن بعد، ونقل النيسابوري عبارة الكشف واعترضها بما لا يخفى رده وأبدى وجهًا في الآية ذكر أنه مما لم يخطر لغيره ورجا أن يكون صوابًا وهو مع اقتضائه حمل الباء على ما يعم السببية الفاعلية والسببية الغائية مما لا يخفى ما فيه، وقيل: ذلك إشارة إلى ما ذكر إلا أن قوله تعالى: {وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} الخ ليس معطوفًا على المجرور بالباء ولا داخلًا في حيز السببية بل هو خبر والمبتدأ محذوف لفهم المعنى والتقدير والأمر أن الساعة آتية الخ، وعليه اقتصر أبو حيان وفيه قطع للكلام عن الانتظام، وقيل: ذلك إشارة إلى ماذكر إلا أن الباء صلة لكون خاص وليست سببية أي مشعر بأن الله هو الحق الخ، وفيه أنه لا قرينة على هذا الكون الخاص وقيل: المعنى ذلك ليعلموا أن الله هو الحق الخ، وفيه تلويح ما إلى معنى الحديث القدسي المشهور على الألسنة وفي كتب الصوفية وإم لم يثبت عند المحدثين وهو كنت كنزًا مخفيًّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف وهو كما ترى، وقيل: الإشارة إلى البعث المستدل عليه بما سبق واستظهره بعضهم، ولا يخفى عليك ما يحتاج إليه من التكلف، ونقل في البحر أن ذلك منصوب بفعل مضمر أي فعلنا ذلك بأن... إلخ.
وأبو على اقتصر على القول بأنه مرفوع على الابتداء والجار والمجرور خبره؛ وقال: لا يجوز غيره ذلك وكأنه عنى بالغير ما ذكر، وما نقله العكبري من أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر ذلك والحق الجواز إلا أنه خلاف الظاهر جدًّا، ثم أن المراد من الساعة قيل يوم القيامة المشتمل على النشر والحشر وغيرهما، وقال سعدى جلبي: المراد بها هنا فناء العالم بالكلية لئلا تتكرر مع البعث، وقول الطيبي: إن سبيل قوله تعالى: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} من قوله سبحانه: {إِنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} سبيل قوله جل وعلا {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} [الحج: 6] من قوله عز وجل: {وَأَنَّهُ يُحْيِىَ الموتى} [الحج: 6] لَكِن قدم وأخر لرعاية الفواصل ظاهر في الأول.
هذا وفي الاتقان للجلال السيوطي أن الإسلاميين من أهل المنطق ذكروا أن في أول سورة الحج إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} خمس نتئج تستنتج من عشر مقدمات ثم بين ذلك بما يقضي منه العجب ويدل على قصور باعه في ذلك العلم، وقد يقال في بيان ذلك: إن النتائج الخمس هي الجمل المتعاطفة الداخلة في حيز الباء، واستنتاج الأولى بأنه لو لم يكن الله سبحانه هو الحق أي الواجب الوجود لذاته لما شوهد بعض الممكنات من الإنسان والنبات وغيرها والتالي باطل ضرورة فالله تعالى هو الحق، ودليل الملازمة برهان التمانع، واستنتاج الثانية بأنه لو لم يكن سبحانه قادرًا على إحياء الموتى لما طور الإنسان في أطوار مختلفة حتى جعله حيًّا وأنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها والتالي باطل ضرورة أن الخصم لا ينكر أنه تعالى أحيا الإنسان وأحيا الأرض فالله تعالى قادر على إحياء الموتى ووجه الملازمة ظاهر.
واستنتاج الثالثة بأنه إذا كان الله تعالى قادرًا على إحياء الموتى فهو سبحانه على كل شيء قدير لَكِنه تعالى قادر على إحياء الموتى فهو على كل شيء قدير، ووجه الملازمة أن المراد من الشيء الممكن وإحياء الموتى ممكن والقدرة على بعض الممكنات دون بعض تنافى وجوب وجوده تعالى الذاتي؛ وأيضًا إحياء الموتى أصعب الأمور عند الخصم المجادل حتى زعم أنه من الممتنعات فإذا ثبت أنه سبحانه قادر عليه بما سبق ثبت أنه تعالى قادر على سائر الممكنات بالطريق الأولى.
واستنتاج الرابعة بأن الساعة أمر ممكن وعد الصادق بإتيانه وكل أمر ممكن وعد الصادق بإتيانه فهو آت فالساعة آتية أما أن الساعة أمر ممكن فلأنه لا يلزم من فرض وقوعها محال وأما أنها وعد الصادق بإتيانها فللآيات القرأنية المتحدى بها وأما أن كل أمر ممكن وعد الصادق بإتيانه فهو آت فلاستحالة الكذب، واستنتاج الخامسة بنحوذلك ولا يتعين استنتاج كل ما ذكر بل يمكن بغير ذلك واختياره لتسارعه إلى الذهن، وربما يقتصر على ثلاث من هذه الخمس بناء على ما علمت بين قوله تعالى: {وَأَنَّهُ يُحْيِىَ الموتى} [الحج: 6] وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قَدِيرٌ} [الحج: 6] وكذا بين قوله سبحانه: {وَأَنَّ الساعة ءاتِيَةٌ} وقوله سبحانه: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} ويعد من الخمس قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شيء عَظِيمٌ} [الحج: 1] واستنتاجها بأن يقال: زلزلة الساعة تذهل كل مرضعة عما أرضعت وكل ما هذا شأنه فهو شيء عظيم فزلزلة الساعة شيء عظيم، والتقوى واجبة عليكم المدلول عليه بقوله تعالى: {اتقوا رَبَّكُمُ} [الحج: 1] واستنتاجه بأن يقال: التقوى يندفع بها ضرر الساعة وكل ما يندفع به الضرر عليكم فالتقوى واجبة عليكم، ولا يخفى أن ما ذكر أولًا أولى إلا أنه لو كان مرادهم لكان الظاهر أن يقولوا: إن في قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} إلى قوله سبحانه: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن في القبور} [الحج: 6، 7] خمس نتائج دون أن يقولوا: إن في أول سورة الحج إلى آخره ويناسب هذا القول ما ذكر ثانيًّا إلا أنه يرد عليه أن المتبادر من كلامهم كون كل من النتائج مذكورًا صريحًا، ولا شك أن التقوى واجبة عليكم ليس مذكورًا كذلك وإنما المذكور ما يدل عليه في الجملة وهوأيضًا ليس بقضية كما لا يخفى، وقد تكلف بعض الناس لبيان ذلك غير ما ذكرنا رأينا ترك ذكره أولى فتأمل.